الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: قوله تعالى: {وَللَّهِ مُلْكُ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا} إنما قال: {وَمَا بَيْنَهُمَا} بعد ذكر السموات والأرض، ولم يقل: بينهن لأنه ذهب بذلك مذهب الصنفين والنوعين.ثم قال: {يَخْلُقُ مَا يَشَاء والله على كُلّ شيء قَدِيرٌ} وفيه وجهان: الأول: يعني يخلق ما يشاء، فتارة يخلق الإنسان من الذكر والأنثى كما هو معتاد، وتارة لا من الأب والأم كما في خلق آدم عليه السلام، وتارة من الأم لا من الأب كما في حق عيسى عليه السلام، والثاني: يخلق ما يشاء، يعني أن عيسى إذا قدر صورة الطير من الطين فالله تعالى يخلق فيه اللحمية والحياة والقدرة معجزة لعيسى، وتارة يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص معجزة له، ولا اعتراض على الله تعالى في شيء من أفعاله. اهـ..قال القرطبي: {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} والمسيح وأُمه بينهما مخلوقان محدودان محصوران، وما أحاط به الحدّ والنهاية لا يصلح للإلهية.وقال: {وَمَا بَيْنَهُمَا} ولم يقل وما بينهن؛ لأنه أراد النوعين والصنفين كما قال الراعي:فقال: «طرقًا» ثم قال: «فتلك هماهِمِي».{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} عيسى من أُم بلا أب آية لعباده. اهـ. .قال الألوسي: وقوله تعالى: {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي ما بين طرفي العالم الجسماني فيتناول ما في السموات من الملائكة وغيرها، وما في أعماق الأرض والبحار من المخلوقات، قيل: تنصيص على كون الكل تحت قهره تعالى وملكوته إثر الإشارة إلى كون البعض كذلك أي له تعالى وحده ملك جميع الموجودات والتصرف المطلق فيها إيجادًا وإعدامًا، وإحياءًا وإماتة لا لأحد سواه استقلالًا ولا اشتراكًا، فهو تحقيق لاختصاص الألوهية به تعالى إثر بيان انتفائها عما سواه، وقيل: دليل آخر على نفي ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام لأنه لو كان إلهًا كان له ملك السموات والأرض وما بينهما، وقيل: دليل على نفي كونه عليه الصلاة والسلام ابنًا ببيان أنه مملوك لدخوله تحت العموم، ومن المعلوم أن المملوكية تنافي البنوة.وقوله تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعتراهم من الشبه في أمر المسيح عليه السلام لولادته من غير أب وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، و{مَا} نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية أي يخلق أي خلق يشاؤه، فتارة يخلق من غير أصل كخلق السموات والأرض مثلًا، وأخرى من أصل كخلق بعض ما بينهما وذلك متنوع أيضًا، فطورًا ينشيء من أصل ليس من جنسه كخلق آدم، وكثير من الحيوانات وتارة من أصل يجانسه إما من ذكر وحده كخلق حواء أو من أنثى وحدها كخلق عيسى عليه الصلاة والسلام أو منهما كخلق سائر الناس، ويخلق بلا توسط شيء من المخلوقات ككثير من المخلوقات وقد يخلق بتوسط مخلوق آخر كخلق الطير على يد عيسى عليه السلام معجزة له.وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فينبغي أن ينسب كل ذلك إليه تعالى لا من أجرى على يده قاله غير واحد.وقيل: إن الجملة جيء بها هاهنا مبينة لما هو المراد من قوله تعالى: {وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} الخ بحسب اقتضاء المقام، و{مَا} نصب على المصدرية أيضًا، وقيل: يجوز أن تكون موصولة ومحلها النصب على المفعولية أي يخلق الذي يشاء أن يخلقه، والجملة مسوقة لبيان أن قدرته تعالى أوسع من عالم الوجود، وعلى كل تقدير فقوله سبحانه: {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} تذييل مقرر لمضمون ما قبله وإظهار الاسم الجليل لما مر من التعليل وتقوية استقلال الجملة. اهـ..قال ابن عاشور: والتذييل بقوله: {ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء} فيه تعظيم شأن الله تعالى.وردّ آخر عليهم بأنّ الله هو الّذي خلق السماوات والأرض وملك ما فيها من قبل أن يَظهر المسيح، فالله هو الإله حقًّا، وأنّه يخلق ما يشاء، فهو الّذي خلق المسيح خلقًا غير معتاد، فكان موجِب ضلال من نسب له الألوهية.وكذلك قوله: {والله على كلّ شيء قدير}. اهـ..قال الثعالبي: وقوله تعالى: {والله على كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ}: عموم معناه الخصوص فيما عدا الذَّات، والصفاتِ، والمحالاتِ. اهـ..قال مجد الدين الفيروزابادي: واختلف في اشتقاق المسيح في صفة نبىّ الله، وكلمته: عيسى، وفى صفة عدوّ الله الدّجّال- أَخزاه الله- على أَقوال كثيرة تنيف على خمسين.قال ابن دِحْية في كتابه: «مَجْمع البحرين في فوائد المشرقين والمغربين»: فيها ثلاثة وعشرِون قولًا.ولم أَرَ مَنْ جمعها قبلى ممّن رَحَل وجال، ولقى الرّجال.قال مؤلِّف هذا الكتاب محمّد الفيروزابادى- تاب الله عليه- فأَضفت إِلى ما ذكره الحافظ من الوجوه الحسنة، والأَقوال البديعة، فتمّت بها خمسون وجهًا.وبيانه أَن العلماءَ اختلفوا في اللفظة هل هي عربيّة أَم لا.فقال بعضهم: سريانيّة.وأَصلها مشيحا- بالشين المعجمة- فعرّبها العرب.وكذا ينطق بها اليهود.قاله أَبو عُبيد.وهذا القول الأَوّل.والذين قالوا: إِنها عربية اختلفوا ما مادّتها.فقيل: مِن «س ى ح» وقيل من «م س ح» ثمّ اختلفا، فقال الأَوّلون: مَفْعِل من ساح يسيح؛ لأَنَّه يسيح في بلدان الدنيا وأَقطار العالم جميعها، أَصلها: مَسْيح، فأَسكنت الياءُ، ونقلت حركتها إِلى السّين؛ لاستثقالهم الكسرة على الياءِ.وهذا القول الثانى.وقال الآخرون: مسِيح: مشتقّ من مَسَح إِذا سار في الأَرض وقطعها: فعيل بمعنى فاعل.والفرق بين هذا وما قبله أَنْ هذا يختصّ بقطْع الأَرض، وذلك بقطع جميع البلاد.وهذا الثالث.والرّابع عن أَبى الحسن القابِسىّ، وقد سأَله أَبو عمرٍو الدانىّ: كيف يقرأ المَسِيح الدّجال؟ قال: بفتح الميم وتخفيف السّين، مثل المسيح ابن مريم، لأَنَّ عيسى عليه السّلام مُسِح بالبركة، وهذا مُسِحت عَيْنه.الخامس قال أَبو الحسن: ومن الناس مَن يقرؤه بكسر الميم والسّين مثقِّلًا كسِكَّيت، فيفرُق بذلك بينهما.وهو وجه.وأَمّا أَنا فما أَقرؤه إِلاَّ كما أَخبرتك.السّادس عن شيخه ابن بَشْكُوَال: أَنَّه قال: سمعت الحافظ أَبا عُمَر بن عبد البَرّ يقول: ومنهم من قال ذلك بالخاءِ المعجمة.والصّحيح أَنَّه لا فرق بينهما.السّابع المسيح لغةً: الذي لا عَين له ولا حاجب؛ سمّى الدّجال بذلك؛ لأَنَّه كذلك.الثامن المسيح: الكذَّاب، وهو أَكذب الخَلْق.التَّاسع المسيح: المارد الخَبِيث.وهو كذلك.العاشر قال ابن سِيده: مَسَحت الإِبلُ الأَرض: سارت فيها سيرًا شديدًا سُمّى به لسرعة سيره.الحادى عشر: مَسَح فلان عُنق فلان أَى ضرب عُنُقه؛ سُمّى لأَنَّه يضرب أَعناق الذين لا ينقادون له.الثانى عشر قال الأَزهرى: المسيح بمعنى الماسح، وهو القَتَّال.وهذا قريب من معنى ما قبله.الثالث عشر المسيح: الدّرهم الأَطلس لا نقش عليه؛ قاله ابن فارس فهو مناسب للأَعور الدّجال إِذْ أَحَدُ شِقّىْ وجهه ممسوح.الرابع عشر المَسَح: قِصَر ونقص في ذَنَب العُقَاب؛ كأَنَّه سُمّى به لنقصه، وقِصَر مُدّته.الخامس عشر مشتقّ من المماسحة، وهو الملاينة في القلوب، والقلوبُ غير صافية.كذا في المحكم؛ لأَنَّه يقول خلاف ما يُضْمر.السّادس عشر المَسِيح: الذوائب الواحدة «مَسيحة» وهى ما نزل من الشَّعَر على الظَّهر؛ كأَنَّه سمّى به؛ لأَنَّه يأْتى في آخر الزمان.السّابع عشر المَسْحِ: المَشْط والتزيين.والماسحة: الماشطة؛ كأَنه سمّى به؛ لأَنَّه يزيّن ظاهره، ويموّهه بالأَكاذيب، والزَّخارف.الثامن عشر المَسِيح الذرَّاع؛ لأَنَّه يذرع الأَرض بسيره فيها.التَّاسع عشر المَسِيح: الضِّلِّيل.
|